بيان لمبادرة الدولة الديمقراطية الواحدة
16 كانوان الثاني 2025
بارتياح كبير نرحب نحن في غزة وسائر فلسطين والشتات الفلسطيني بالهدنة في حرب الإبادة المفروضة على شعبنا وبالانسحاب المرتقب لجيش الاحتلال من قطاع غزة وبتحرير الفلسطينيين من سجون الكيان. لقد عانينا على مدار كل ساعة من الخمسة عشر شهرًا الماضية من القصف والقنص والتجويع والترحيل والاعتقال، فضلاً عن تدمير البنية التحتية الحيوية للأمن والرعاية الصحية والكهرباء والمياه والصرف الصحي وغيرها، وكلها من سمات الإبادة الجماعية. شهداؤنا بعشرات الآلاف وقد يتجاوز عددهم المئة ألف شهيد، بينما قد يصل عدد جرحانا إلى مئات الآلاف. واستمرّت مقاومة شعبنا حتى آخر ساعة من الهدنة فكبّدت جيش الاحتلال خسائر شبه يومية وأثّرت من دون شك في شروط الصفقة. كما لم ترحم آلة الحرب الصهيونية بقية بلاد الشام التي تعتبر فلسطين جزءًا عضويًا وتاريخيًا منها، إذ استهدفت وما زالت تستهدف لبنان وسوريا وتحتل أراضي هذين البلدين، على عادتها منذ عام 1948.
لكن العدو الذي قبل بالهدنة ما زال متمسكًا بهدف احتلال أكبر مساحة من فلسطين بأقل عدد من الفلسطينيين. فالعنف في نظره أداة لتحقيق مشروعه الاستعماري الاستيطاني الاحلالي. وعليه، لا يجوز أن نكتفي بهدنة تؤجّل إبادتنا، بل ينبغي العمل على هزيمة المشروع الصهيوني وتفكيك أسسه الهوياتية الثلاثة: (1) طرد السكان الأصليين ومنعهم من العودة، (2) جلب المستوطنين لإحلالهم محلهم، (3) ممارسة التمييز والقمع داخل الكيان. وتفكيك هذه الأسس يعني تفكيك الدولة الاستيطانية "الخاصة بالشعب اليهودي" وإقامة النقيض التام لها: دولة فلسطينية واحدة لجميع مواطنيها. هذه الرؤية لن تحرّر الفلسطينيين وحدهم، بل ستحرّر أيضًا اليهود الذين استخدمهم المشروع الصهيوني لاحتلال فلسطين، واضعًا إياهم في خط نيران المقاومة، والذين يختارون نبذ هذا المشروع والتخلي عن امتيازاتهم الاستعمارية والبقاء كمواطنين متساوين.
وهذا يضع على عاتق الشعب الفلسطيني والإسرائيليين المعادين للصهيونية والمتضررين المباشرين من وجود الكيان في منطقتنا، ومن يقف معنا في البلدان العربية وغير العربية، مسؤولية مواصلة النضال حتى تفكيك الكيان. وهذا يشمل قبل كل شيء نبذ كل "الحلول" المزعومة التي تساوم مع أي من أسس الصهيونية الثلاثة، كطرح الدولتين وثنائية القومية والكونفدرالية والسعي لتحصيل الحقوق أو إنهاء الفصل العنصري ضمن إطار "الدولة اليهودية" وغيرها، وإعادة إحياء طرحنا التحرري التاريخي لدولة ديمقراطية واحدة من النهر إلى البحر كحجر الزاوية في خطابنا. وعلى كل سبل مقاومتنا، المسلحة والشعبية والإعلامية والثقافية والقانونية وغيرها، أن تتمحور حول هذا المشروع.
ولا بدّ من استقاء الدروس من عجزنا وعجز المتضامنين معنا عن وقف الإبادة الجماعية. فالحاجة ملحة للاستفادة من الهدنة للقيام بنقد ذاتي وتحديد مجالات تقصيرنا والتعلم من أخطائنا. فبالإضافة إلى تشتيت الخطاب الفلسطيني بين اللا-حلول المذكورة أعلاه عوض الإجماع على رؤية واضحة للتحرير، أخفقنا حين طالبنا "السلطة الفلسطينية" والأنظمة العربية باتخاذ موقف ضد الإبادة الجماعية عوض أن ننتظم لمواجهتها. وأخطأنا حين صدّقنا خطاب الجمهورية الإسلامية الإيرانية الانتصاري، بما في ذلك وهم "وحدة الساحات"، وحين تساهلنا مع مشروعها الذي يوظّف الدين لخدمة المصالح السياسية فيفتّت المجتمعات ويخدم العدو. وفشِلنا في تنسيق الجهود للتصدي لموجة التطبيع في البلدان العربية ولمواجهة سردية العدو في "الغرب" كما بين المستوطنين. وهدرنا طاقات شعوبنا من خلال العمل الفردي على حساب الانتظام في حركات سياسية توحّد الرؤية وتنسق الجهود. والوقت الآن لنبذ الوصفات القديمة ومعالجة مواضع الخلل هذه.
وعليه، تدعو مبادرة الدولة الديمقراطية الواحدة كل أبناء وبنات شعبنا، لاسيما من هم في مواقع القرار والتأثير، إلى النظر بجدية في ما سبق. فالإبادة توقفت لكن المشروع الاستعماري الاستيطاني مستمرّ. يقع على عاتقنا مسؤولية الالتفاف حول رؤية سياسية جذرية لتفكيك الاستعمار في فلسطين والمنطقة والعالم.