حماس أمام القضاء البريطاني: معركة نزع تصنيف الإرهاب وإعادة تقديم مشروع المقاومة الفلسطيني

صُنفت حركة حماس منظمةً إرهابيةً في بريطانيا عام 2021، وحظرت كليًا وفق قانون الإرهاب لعام 2000، بعد أن كان الحظر يشمل جناحها العسكري فقط. وفقًا لهذا الحظر؛ يُعتبر أيّ دعمٍ أو انتماءٍ للحركة جُرمًا جنائيًا تصل عقوبته إلى السجن 14 عامًا. تسبب هذا الاجراء في تضييق النقاش حول القضية الفلسطينية في الحيز البريطاني العام، واعتقل العديد من النشطاء بسبب ارتدائهم رموزًا اعتبرتها السلطات البريطانية داعمةً للإرهاب.

في التاسع من إبريل/نيسان 2025؛ شرعت حركة حماس في تحركٍ قانونيٍ غير مسبوقٍ في بريطانيا، يسعى إلى إزالتها من قوائم الإرهاب البريطانية، وظفت الحركة تحالفًا من المحامين في لندن، يضم محامين من مكتب Riverway Law، ومحامين مستقلين لتقديم الطلب رسميًا لوزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر. فكيف قدمت حماس نفسها في الدعوى؟ وكيف تعاملت مع اتهامها بمعاداة السامية؟ وكيف بررت هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول؟ وهل أيدت الدعوى حلّ الدولة الواحدة؟ وكيف كان رد الفعل في الوسط السياسي البريطاني؟

حماس حركة تحرر وطني ومقاومة مشروعة

ركزت حركة حماس في دعواها على أنّها حركة تحررٍ وطنيٍ مشروعٍ للشعب الفلسطيني، وقدمت سياقًا تاريخيًا للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية شعبٍ انتُزع من أرضه. نفت الحركة كونها منظمةً إرهابيةً، وطلبت الاعتراف بوصفها حركةً مقاومةً فلسطينيةً، تخوض نضالًا من أجل حقّ تقرير المصير، لا بوصفها منظّمةً إرهابيةً.

استندت حماس في دعواها على التزامات بريطانيا الدولية، إذ يستند المحامون إلى أنّ اعتبار الحركة منظمةً إرهابيةً يتعارض مع التزام بريطانيا في منع الإبادة الجماعية، والجرائم ضدّ الإنسانية، وإنهاء الاحتلال غير المشروع للأراضي الفلسطينية. كذلك؛ اعتبروا أنّ حماس حاليًا هي القوّة الوحيدة التي تقاوم هذه الجرائم، وبالتالي اعتبارها منظمةً إرهابيةً يعتبر ضمنًا دعمًا لمرتكب تلك الجرائم، وفقًا للدعوى.

عرفت حركة حماس نفسها في دعواها أمام القضاء البريطاني على أنّها حركةٌ مقاومةٌ تهدف إلى تحرير فلسطين، ومواجهة المشروع الصهيوني، وقالت إنها لا تختلف عن أيّ حركةٍ واجهت الاستعمار، مثل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، والجيش الجمهوري الإيرلندي.

حماس ومعاداة اليهود

أكّدت حماس في دعواها أنّها لا تعادي اليهودية دينًا، ولا اليهود بسبب دينهم، بل تعارض الصهيونية مشروعًا سياسيًا. كما قالت إنّها لم تستهدف اليهود، ولا مصالحهم خارج حدود فلسطين، وأكّدت أنّها منظمةٌ فلسطينيةٌ محليةٌ ليس لها أيّ امتدادٍ دوليٍ.

أكّدت الحركة أنّ "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر كان مناورةً عسكريةً تستهدف الجنود الإسرائيليين وليس المدنيين، وأضافت أنّها أصدرت تعليماتٍ صارمةً لمقاتليها عشية الهجوم بعدم استهداف النساء والأطفال والمدنيين. وذكرت أنّ هناك تجاوزاتٌ فرديةٌ لدى الحركة آليات محاسبةٍ داخليةٍ للتحقيق والمساءلة، كما أنّها على استعدادٍ للتعاون مع أيّ تحقيقٍ دوليٍ بهذا الشأن. وبررت العملية بكونها ردًا على انتهاكاتٍ واسعةٍ لسلطات الاحتلال في القدس، ومعاناة الأسرى الفلسطينيين في السجون، وموجة التطبيع العربي مع إسرائيل. لكن لم تُقدم الحركة أيّ تبريرٍ لهجماتها السابقة، التي أودت بحياة عشرات الإسرائيليين المدنيين.

هل تبنت الدعوى حلّ الدولة الواحدة؟

لم تتبنَّ حماس في دعواها حلّ الدولة الواحدة صراحةً، لكنها قدمت سردًا منسجمًا معه، إذ أكّدت أنّه لا بديل عن دولةٍ فلسطينيةٍ ذات سيادةٍ على كامل التراب الفلسطيني. وقدمت نفسها أنّها حركةٌ تناضل ضدّ مشروعٍ استعماريٍ استيطانيٍ، ووضعت نفسها في سياقٍ تاريخيٍ مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي ناضل من أجل دولةٍ ديمقراطيةٍ لكل مواطنيها. كما يوحي حديث موسى أبو مرزوق عن استلهام "تراث جميع الشعوب التي قاومت الاستعمار والإمبريالية باسم العدالة والكرامة والمساواة الإنسانية" برؤيةٍ تتجاوز التقسيم الحالي، نحو كيانٍ سياسيٍ يكفل حقوقًا متساويةً للجميع. في رؤية حماس لليهود؛ تناولت موقفها من اليهودية لتؤكّد أنّها تفرّق بين اليهود أصحاب الديانة، وبين الصهاينة حركةً استعماريةً؛ إذ شدد أبو مرزوق على رفض معاداة السامية، وبأنّ صراع حماس مع "المشروع الصهيوني" الذي يغتصب حقوق الفلسطينيين لا غير.

ردود فعل سياسيًا واعلاميًا

شهد المستوى السياسي البريطاني إجماعًا على رفض إزالة حماس من لوائح الإرهاب، بين حكومة حزب العمال والمعارضة المتمثلة بحزب المحافظين، فبحسب تصريح وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي لصحيفة جوش كرونيكل "Jewish Chronicle" المؤيدة لإسرائيل، فإن وضع حماس منظمةً محظورةً هو أمرٌ "لن يتغير ببساطةٍ" رغم التحدي القانوني.

عبّر حزب المحافظين المعارض بقوّةٍ عن موقفه عبر قياداته في البرلمان، إذ صرّحت بريتي باتيل وزيرة الداخلية السابقة (ووزيرة الخارجية في حكومة الظل عام 2025) بلهجةٍ شديدةٍ بأن "حماس منظمةٌ إرهابيةٌ شريرةٌ مدعومةٌ من إيران، تختطف الناس وتعذبهم وتقتلهم، بمن فيهم مواطنون بريطانيون". وأضافت باتيل أنّ حماس تشكل "تهديدًا مستمرًا لأمننا وللسلم والاستقرار في الشرق الأوسط"، وتمتلك أسلحةً ومنشآت تدريب "تعرض الأرواح للخطر، وتهدد مصالحنا". كما انتقدت باتيل حملات الدعوة لشطب حماس قائلة إن "من يطالبون بإنهاء حظر حماس يفشلون في فهم خطورة التهديدات التي تشكلها هذه المنظمة الإرهابية".

كذلك أعرب روبرت جنريك (وزير دولة سابق ووزير العدل في حكومة الظل حاليًا) عن غضبه من التحرك القانوني لصالح حماس، واصفًا مشهد محامين يجادلون لرفع الحظر عنها بأنّه أمرٌ "مقزز" على حدّ تعبيره. وأعلن جنريك أنّه تقدّم ببلاغٍ ضدّ شركة المحاماة Riverway Law، والمحامي فهد أنصاري إلى هيئة تنظيم المحامين، وإلى شرطة مكافحة الإرهاب، متهمًا إيّاهم بتقديم "دعمٍ صريحٍ للإرهاب"، وباحتمال خرقهم قانون العقوبات. وقال جنريك عبر منصة إكس (تويتر سابقًا): "يتعين التحقيق تحقيقًا عاجلًا وشطبهم من المهنة إن ثبت تجاوزهم، الأمر لا يتعلق بحرية التعبير، بل بشخصٍ يتخطى الخطوط الحمراء نحو تأييد الإرهاب علنًا، في حين تغض السلطات الطرف". عكست هذه التصريحات؛ موقف المحافظين الحازم بأنّ حماس يجب أن تبقى منظمةً محظورةً، بل وطالب بعضهم بقمع من يدافع عنها قانونيًا.

تفتح الدعوى القضائية التي رفعتها حركة حماس في بريطانيا فصلًا جديدًا في معركة الرواية حول القضية الفلسطينية، إذ تتحدّى تصنيفات سياسية لطالما ساهمت في خنق صوت فلسطين داخل الحيز العام الغربي. لا تقتصر أهمّية هذا التحرك القانوني على رفع الحظر عن الحركة بحد ذاته، بل تمتد إلى إعادة تعريف الصراع الفلسطيني باعتباره صراع شعب محتل يسعى إلى نيل حريته وتقرير مصيره. بينما تحاول حماس أن تثبت أمام القضاء البريطاني مشروعيتها على اعتبارها حركة تحررٍ وطنيٍ، فإنّ القضية الأوسع تظلّ ماثلةً: الحاجة إلى مراجعة جذرية لتصنيفات الإرهاب، التي صارت أداة قمعٍ بيد الأنظمة الغربية.

سجلوا كمؤيدين لحل الدولة الديمقراطية الواحدة

للمشاركة

Scroll to Top