بيان لمبادرة الدولة الديمقراطية الواحدة
26 حزيران 2025
انتهى العدوان الصهيوني-الأمريكي على إيران بشكل مفاجئ، دون أن يحقق الكيان أيًا من أهدافه المعلنة المتمثلة في تغيير النظام وإنهاء البرنامج النووي. ومع أن النظام الإيراني تكبّد الخسائر، إلا أنه لم يتزعزع، وعلى الرغم من عدم وضوح حجم الأضرار التي لحقت بمنشآته النووية، إلا أنها لا تزال قائمة، وما زال النظام يمتلك اليورانيوم المخصب والخبرات العلمية اللازمة لمواصلة البرنامج. لقد فشل الكيان حتى الآن في فرض هيمنة مطلقة على المنطقة، لكنه لا يزال متعطشًا لها. وعليه، على الفلسطينيين والعرب وحتى على الإسرائيليين والعالم أجمع استقاء الدروس من ما حدث وترجمة هذا الفهم إلى أفعال سياسية ملموسة.
على الفلسطينيين وأهل بلاد الشام والعرب أن يدركوا الحاجة إلى مشاريع سياسية خاصة بهم. علينا أن ندرك أنه لن يهبّ أحد، لا جمهورية إيران الإسلامية ولا غيرها، لإنقاذنا. فالجمهورية الإسلامية التي لم تتحرك لوقف الإبادة الجماعية تحركت لحماية مصالحها الخاصة، وأبقت غزة خارج اتفاق وقف إطلاق النار. هذا ما تفعله الدول: تسعى وراء مصالحها الخاصة، لا مصالح الآخرين. للكيان وإيران وتركيا وغيرها مشاريعها السياسية. فأين مشروعنا نحن؟
لا بدّ من إعادة إحياء مشروع شعبنا التاريخي والعودة إلى طرح الدولة الفلسطينية الديمقراطية الواحدة. لا جدوى من الانتظار حتى تقوم القيادات الحالية بذلك، بل علينا تأسيس تنظيمات سياسية تحررية وديمقراطية تتحدى الوضع القائم، والانخراط في عملها. تنظيمات تكون جزءًا من المشهد السياسي في "اليوم التالي" الفلسطيني في غزة. وتستبق خطر الإزالة العرقية في الضفة الغربية، ربما انطلاقًا من مستند "خطر نكبة قادمة يلوح في أفق فلسطين: اقرعوا جدران الخزان!". وتبتكر أساليب للعمل خارج مؤسسات الكيان في الداخل المحتلّ.
في الشتات، على هذه التنظيمات بناء القدرة السياسية والإعلامية والتنظيمية لمواجهة الهيمنة الثقافية الصهيونية، والتشبيك مع التنظيمات التحررية المحلية. وفي "لا-دول" الطوق كلبنان وسوريا والأردن، هناك حاجة للانخراط في حركات على قطيعة مع المنطق الهوياتي وتحمل برنامجًا سياسيًا لإقامة دول قادرة على حماية مجتمعاتها، ولتنسيق الجهود في مواجهة موجة التطبيع.
على الإسرائيليين أن يدركوا أن الصهيونية قد فشلت. لقد ثبت أن ادعاءها بأن لا أمان ليهود العالم إلا من خلال مغادرة مجتمعاتهم الأصلية وإنشاء مجتمع ودولة خاصين بهم هو ادعاء باطل. فجيش الاحتلال فشل في إخضاع المقاومة الفلسطينية في منطقة صغيرة محاصرة، وفشل في حماية الكيان من الصواريخ الإيرانية، وفشل في إلحاق أي ضرر دائم بإيران.
فأي رد فعل يتوقعونه على الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري والإبادة الجماعية في فلسطين والمنطقة؟ هل المباني المدمرة في جميع أنحاء الكيان هي الأمان الذي وعدتكم به الصهيونية؟ وهل يكون "تقرير مصير الشعب اليهودي" بالاعتماد الكامل على دعم الولايات المتحدة؟ ماذا لو قررت إدارة أمريكية ما، لأي سبب من الأسباب، التوقف عن دعم الكيان؟
حان الوقت لكي يتخلى الإسرائيليون عن الصهيونية. ها البعض منهم يختارون مغادرة فلسطين، وها البعض منهم يختار الاصطفاف إلى جانب النضال الفلسطيني لتفكيك دولة الاحتلال وإقامة النقيض التام لها: دولة فلسطينية ديمقراطية يسكن في ظلّها أناس من كل الخلفيات كما كانوا قبل الصهيونية. كلما زاد عدد هؤلاء وكلما أسرعوا في ذلك، كلما اقترب الجميع من الأمن الحقيقي، القائم لا على قمع الآخر بل على التحرير والعدالة والكرامة.
على بقية العالم أن يدرك أن الكيان يشكل تهديدًا للكون بأسره. فتأثيره الهدّام لا يقتصر على ارتكاب الإبادة الجماعية في فلسطين وتدمير البلدان المجاورة. بل إنه شنّ عدوانًا على إيران التي تبعد 1500 كيلومتر، دون أي مبرّر لذلك. واستهدف حتى حلفاءه، حيث قطع إمداد الغاز عن الأردن. واليوم ترتفع الأصوات داخله داعيةً لشن عمليات عسكرية ضد مصر وقطر وتركيا وباكستان.
فما الذي سيمنع الكيان من مهاجمة قبرص أو اليونان أو دول أخرى إذا شعر أنها تشكل تهديدًا له؟ وماذا يضمن أنه لن يوسع نطاق عدوانه بعد إذا ازدادت قوته في السنوات القادمة؟ وماذا لو فعّل "خيار شمشون" واستخدم أسلحته النووية في حال شعر بتهديد عسكري عليه؟ فهل يستطيع العالم تحمل وجود دولة مارقة كهذه؟
لقد أظهرت الأسابيع والسنوات والعقود الماضية أن الكيان يشكل تهديدًا للجميع في فلسطين وبلاد الشام والعالم. تدعو مبادرة الدولة الديمقراطية الجميع لتجاوز وسائل الاحتجاج التي لجأنا إليها حتى الآن وللانخراط في تنظيمات سياسية تلتفّ حول رؤية على نقيض تام مع المشروع الصهيوني: رؤية لدولة ديمقراطية واحدة، من النهر إلى البحر، ولديمقراطية حقيقية في المنطقة والعالم.