بيان لمبادرة الدولة الديمقراطية الواحدة في 10 كانون الأول 2024
لم يكن النظام السوري يوماً حليفًا لفلسطين، فهو من شارك في قتل الفلسطينيين في تل الزعتر ولاحقاً في مخيم اليرموك، وهو من عمل على تفكيك وتخريب منظمات المقاومة الفلسطينية كما المقاومة الوطنية في لبنان، وهو من عرض مرارًا “السلام” مع العدو الصهيوني فيما كان العدو هو من يرفض. وكان النظام السوري عدوّ شعبه أيضّا إذ قمعه على مرّ العقود وقتل وشرّد الملايين، وفكّك المجتمع السوري من خلال منح وحرمان الحقوق على أساس طائفي وإثني ومناطقي ومن خلال تبني سياسات نيوليبرالية تزيد من إفقار الشعب عموماً.
إن نموذج الحكم الذي اتّبعه النظام السوري كان قائمًا على تدمير إمكانية المجتمع للانتظام والمشاركة السياسييْن. ولقد كان النظام عبر هذه الممارسات الديكتاتورية يحفر قبره بيديه اذ لم يكن يمتلك الشرعية الداخلية مما جعل منه رهينةً “للشرعية” المُستمدّة من القوى الخارجية وبفضل التوازنات الإقليمية المتغيرة. وسقوط النظام وتفكيك المجال والمجتمع السورييْن دليلان على فشل هذا النموذج، فالنتيجة كانت كارثية لكل الأطراف المعنية. بل صبّت لمصلحة القوى الاستعمارية “الغربية” كما “الشرقية” والقوى الإقليمية كتركيا وإيران، النازعة نحو السيطرة على مقدرات سوريا والمنطقة.
كما قد بات جليًا أن دعم الفصائل الفلسطينية للنظام الدكتاتوري كان خيارًا خاطئًا. فربط مصير المقاومة وفلسطين ببقاء نظام مجرم ليس خيارًا غير أخلاقي فحسب، بل فشل استراتيجي أيضًا. فمن يقتل شعبه لن يساهم بتحرير فلسطين، خاصةً وأن هذا النظام استخدم قضية الشعب الفلسطيني لستر جرائمه ضد شعبه.
نحن في فلسطين والشتات الفلسطيني نشارك فرحة الشعب السوري في سقوط نظامه، دون أن نغفل عن خطر المرحلة المقبلة على سوريا وعموم المنطقة، فالقوى الإقليمية والاستعمارية تبحث عن مصالحها لا عن مصالحنا. ونلحظ هنا اغتنام الكيان الصهيوني الفرصة لاستهداف واحتلال المزيد من الأراضي السورية، ممّا يثبّت عداء هذا الكيان لشعوبنا، وممّا يستدعي مواجهة من أي حكومة تمثّل مصالح الشعب السوري حقّ التمثيل.
وكما يذكر إعلان “فلسطين الغد”، يتمثل الحل ببناء دول ديمقراطية لكي تمارس مجتمعاتها دورها السياسي ولكي تعبّر عن إرادتها السياسية ولكي تختار طريقة إدارة شؤونها بنفسها، ودول علمانية أيضاً بحيث تصون حرية المعتقد وحق اعتناق وممارسة الدين ولا تدّعي شرعية دينية أو هوياتية. فلا مستقبل مشرق أمام منطقتنا دون قيام دول على نقيض جذري مع الكيانات الاستبدادية الحالية، تلك الكيانات التي تلتقي مصالحها مع مصالح الكيان الصهيوني.
إن إقامة سوريا الديمقراطية العلمانية خطوة باتجاه فلسطين حرة وديمقراطية وعلمانية، وسوف تكون بهذا نموذجًا سياسيًا واجتماعيًا للإقليم، بل للعالم. إن “قوى الأمر الواقع” ذات النزعات الانفصالية أو السلطوية، باعتمادها هي الأخرى كالنظام البائد على “الخارج”، أي توازنات الإقليم والقوى الإمبريالية وإسرائيل، لن تكون طرفاً في عملية البناء الديمقراطي للمنطقة. وعليه، تدعو مبادرة الدولة الديمقراطية الواحدة من هم في مراكز المسؤولية والتأثير على مراجعة خياراتهم السياسية في ضوء التطورات الأخيرة. وندعو كل شعبنا في سوريا وفلسطين والمنطقة للانتقال من موقع المشاهدين المعلقين إلى موقع الفاعلين المؤثرين، وذلك من خلال الانخراط في تنظيمات سياسية تتبنى مشروعًا للتحرر والتحرير.
لتحيا سوريا ولتحيا فلسطين.